ادعمنا

المفاوضات الدولية - International Negotiations

قبل ميثاق الأمم المتحدة كان للدول حرية تسوية منازعتها عن طريق القوة العسكرية بحيث كانت هذه القوة واستخدامها من أهم مظاهر السيادة آنذاك، وبعد هذا الميثاق تغير المنظور المؤطر لتسوية النزاعات بحيث أصبحت الدول في القانون الدولي الحديث ملزمة بتسوية منازعتها بالطرق السلمية التي تنقسم إلى وسائل مباشرة بين الأطراف المتنازعة مثل التحقيق والقضاء والتحكيم والمفاوضات التي تعتبر صميم حديثنا في مقالنا اليوم، فالسلوك التفاوضي يمثل صميم العلاقات الدولية، والتي تعبر عن تفاعلات بين مختلف فواعل النظام الدولي في شتى المجالات، وهذه التفاعلات تفرض شدا وجذبا بين مختلف تلك الأطراف المعنية، كما تفرض بدورها إما توافقا للمصالح أو تعارضا فيها، ففي حالة التوافق تلجأ هذه الأطراف إلى التعاون وتوحيد نفوذها وما توفر لها من قوة لتحقيق مصالحها المشتركة، أما في حالة التعارض والتصادم في المصالح تجد تلك الأطراف المعنية نفسها أمام خيار "التفاوض"، والذي ينبني غالبا على مسألة تعظيم المكاسب وتقليل الخسائر، وفي سبيل ذلك توظف الأطراف المعنية ما توفر لها من إمكانيات ونفوذ، اعتمادا على مكانتها وعلاقاتها من جهة، وعلى وسائل القوة الصلبة والناعمة المتوفرة لها من جهة أخرى. 

 

تعريف التفاوض:

تعددت التعاريف بشكل عام حول مصطلح التفاوض، بحيث عرفه الدكتور علي صادق أبو هيف على أنه: "تبادل الرأي بين دولتين متنازعتين بقصد الوصول إلى تسوية للنزاع القائم بينهما، ويكون تبادل الآراء شفاهية أو في مذكرات مكتوبة، أو بالطريقتين معا، وإذا كان النزاع مما يحتاج حله لتدخل فني كتعيين الحدود بين دولتين متجاورتين، ألّفت الدولتان لجنة فنية مختلطة من مندوبين عن كل منهما تتولى دراسة موضوع النزاع ووضع تقرير يسترشد المفاوضين الأصليين".

كما يعرف هولست Holsti التفاوض على أنه: "توظيف مختلف الآليات والتقنيات العقلانية والنظامية لمحاولة تحديد وتنسيق المصالح المتعارضة، في صيغة شفوية أو مكتوبة طالما أنها تتيح لمختلف الأطراف التعبير عن آرائهم في سياق الحوار الجاري بينها".

ويعرفه أيضا روبرت بوند Robert Bond بأنه: "عملية بين متنازعين أو أكثر من أجل التوصل إلى اتفاق أو صفقة، بحيث يسعى كل طرف للحصول على أقصى حد من المنافع في هذا الاتفاق أو الصفقة".

ومن هنا يمكن تعريف التفاوض على أنه "موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله عرض وتبادل وتقريب ومواءمة، و تكييف وجهات النظر، واستخدام كافة الأساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة أو الحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم بالقيام بعمل معين أو الإمتناع من عمل معين في إطار علاقة الإرتباط بين أطراف العملية التفاوضية اتجاه أنفسهم أو اتجاه الغير".

 

أهمية علم التفاوض:

تنشأ أهمية علم التفاوض من زاويتين أساسيتين:

- ضرورته: وتظهر ضرورة علم التفاوض ومدى الأهمية التي يستمدها من العلاقة التفاوضية القائمة بين أطرافه أي ما يتعلق بالقضية التفاوضية التي يتم التفاوض بشأنها وتلك هي الزاوية الأولى.

- حتميته: نجد أن علم التفاوض يستمد حتميته من كونه المخرج أو المنفذ الوحيد الممكن استخدامه لمعالجة القضية التفاوضية والوصول إلى حل للمشكلة المتنازع بشأنها.

 

خصائص التفاوض:

- المفاوضات عملية تبادلية تقوم على الأخذ والعطاء والتوازن النسبي في القوة بين أطراف التفاوض.

- التفاوض عملية متكاملة، ومن ثم فإنه يحتاج إلى إدارة واعية تقوم على الإعداد والتخطيط الجيد والتنظيم والتوجيه والمتابعة والتقييم.

- تنشأ المفاوضات انطلاقا من وجود قضية يسعى كل طرف من خلال الحوار والتفاعل إلى التوصل لاتفاق بشأنها.

- التفاوض عملية مستمرة وليس حدثا طارئا أو موقفا عارضا أو نشاطا مؤقتا؛

- التفاوض عملية احتمالية معقدة وتتأثر بهيكل العلاقات الاجتماعية وعادات وتقاليد ولغة الأطراف المفاوضة؛

- التفاوض عملية نفسية تتأثر بإدراكات واتجاهات وشخصيات المفاوضين؛

- التفاوض عملية تتأثر بالعلاقات السابقة واللاحقة بين الطرفين والأهداف المعلنة وغير المعلنة لكل منهما؛

- الآثار المترتبة على عملية التفاوضية تتجاوز عادة إبرام العقد وإتمام الاتفاق بين الطرفين، حيث أنها عملية مستقبلية في طبيعتها تأخذ بعين الاعتبار الحاضر والمستقبل؛

- عملية التفاوض تعتمد على مهارات المفاوضين في مجال الاتصال واللباقة والقدرة على التصرف والتعامل مع أنماط الآخرين وغيرها؛

- عملية التفاوض تتصف بالعمومية من حيث عناصرها ومبادئها واستراتيجياتها وتكتيكاتها، ومن ثم فإنها تطبق على مختلف أنواع النزاع والموقف البيعية والشرائية.

 

شخصية المفاوض وسماته:

- السمات الموضوعية:

القدرة على التحليل، المعرفة أو الإلمام بالجوانب الاقتصادية، الإلمام بالتكوين القانوني، إتقان اللغة، المعرفة النفسية، المعرفة الإحصائية القياسية ( أي القدرة على الحساب السريعة)، الثقافة العامة ( في شتى المجالات...).

- السمات الشخصية:

قوة التحمل والصبر ونضج في الشخصية، الذكاء والدهاء، حسن التصرف وسرعته، إجادة فن الاستماع و الانصات، اللياقة والكياسة ( اللياقة هي الجانب البدني، والكياسة هي الفطنة وعدم الفضاضة)، سريع الملاحظة والفطنة، الإدراك الشامل والمتكامل.

 

عناصر العملية التفاوضية:

العملية التفاوضية هي عملية ديناميكية متغيرة تحمل فعل ورد فعل، تأثير وتأثر ينطوي على التكيف السريع والمستمر مع المتغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية، وعلى العموم فإن الموقف التفاوضي يتضمن مجموعة عناصر وهي:

- الترابط: بمعنى أن يكون هناك ترابط على المستوى الكلي لعناصر القضية التي يتم التفاوض بشأنها.

- التركيب: بحيث يجب أن يتركب الموقف التفاوضي من جزئيات وعناصر ينقسم إليها، ويسهل تناولها في الإطار الجزئي، وكما يسهل تناولها في إطارها الكلي.

- إمكانية التعرف والتمييز: بمعنى يجب أن يتصف الموقف التفاوضي بعدم الغموض أو لبس وأن لا يسقط أي جزء من أجزائه، أو ابعاده من التفاوض.

- الاتساع المكاني والزماني: ونعني به الفترة الزمنية التي يتم فيها التفاوض، ومكان التفاوض جغرافيا ( لابد من تحديد مكان وزمان التفاوض).

- التعقيد: كل موقف تفاوضي معقد تتفاعل داخله مجموعة من العوامل الكثيرة، وله العديد من الأبعاد والجوانب التي يتشكل منها هذا الموقف، وبالتالي يجب على المفاوض أن يكون ملماَََ بكل هذا حتى يتمكن من التفاوض بشكل موفق ويحقق مكاسب.

- الغموض (أو الشك): لابد أن يحاط الموقف التفاوضي بحالة من الشك والغموض النسبي، الذي يدفع المفاوض إلى تقليل دائرة عدم التأكد من خلال جمع كافة المعلومات والبيانات الصحيحة، خاصة وأن الشك دائما دائما يرتبط بنوايا ودوافع واتجاهات ومعتقدات وراء الطرف المفاوض الآخر.

ملاحظة: إن العناصر التفاوضية تتغير حسب المعطيات الموجودة في الساحة.

 

خطوات التفاوض ومبادئه:

أ - خطوات التفاوض: سنقوم بتوضيحها من خلال المخطط الأتي:

المفاوضات الدولية - International Negotiations

المصدر: أحلام سليماني، المرجع السابق، ص 28.

ب - مبادئ التفاوض:

- الاستعداد الدائم للتفاوض و في أي وقت.

- الالتزام بالبروتوكولات المعمول بها عادة في التفاوض، كالتحلي بالرسمية، واعتماد اللغة الدبلوماسية،"وهي اللغة المشتركة التي تجد الدول أن من الملائم استخدامها في علاقاتها المتبادلة وبصفة خاصة في صياغة المعاهدات والمفاوضات بالهيئات الدولية".

- التمسك بالثبات الدائم و هدوء الأعصاب.

- عدم الاستهانة بالخصم أو بالطرف المتفاوض معه.

- لا تتسرع في اتخاذ القرار واكسب وقتا للتفكير.

- أن تستمع أكثر مما تتكلم و إن تكلمت فلا تقدم ما له قيمة في المفاوضات خاصة في المرحلة التمهيدية.

- الإقتناع بالرأي قبل إقناع الآخرين.

- التجديد المستمر في طرق و أساليب تناول الموضوعات المتفاوض بشأنها وفي أسلوب عمل الفريق التفاوضي.

- عدم البدء في الحوار التفاوضي بجملة استفزازية أو بنظرة عدوانية أو بحركة تعبر عن الكراهية و التحدي و العدوان.

- التحلي بالمظهر الأنيق و المتناسق في كافة جلسات العملية التفاوضية الرسمية.

- بناء التحليلات والقرارات على وقائع وأحداث حقيقية، وكذا الحذر والحرص على عدم كشف كل الأوراق دفعة واحدة، ومحاولة التفاوض دائما من مركز قوة.

- عدم الإنخداع بظاهر الأمور و الاحتياط دائما من عكسها.

- مبدأ المنفعة أو المصلحة: فكل طرف يسعى إلى تحقيق مصالح معينة من وراء عملية التفاوض، حتى لو كانت هذه المصلحة تقليل حجم الأضرار والخسائر التي يمكن حدوثها بدون التفاوض.

 

أنواع التفاوض: 

إذا بالرغم من تعدد أنواع التفاوض فإننا سوف نتطرق إلى أهمها:

أ- التصنيف الأول لأنواع التفاوض: يمكن حصر أنواع التفاوض الرئيسية وإيجازها في نطاق محدد كما يلي:

- اتفاق لصالح الطرفين: وهو إذا ما انتهج الطرفان أو أطراف التفاوض مبدأ المصلحة المشتركة أو ما يعرف أكسب وأنت تكسب، ويتم التركيز هنا على ما يحقق صالح الطرفين حيث تساعد الأطراف بعضها البعض على العمل سويا للوصول إلى اتفاقات يستفيد منها الجميع .

- التفاوض من أجل مكسب لأحد الأطراف وخسارة للطرف الآخر: ويحدث هذا النوع من التفاوض أكسب وأنت تخسر، عندما لا يتحقق توافق بين قوة الطرفين، وقد يحدث ذلك أيضا بسبب سوء اختيار أحد الأطراف لتوقيت التفاوض حسن الاختيار من قبل الطرف الأقوى، كما يحدث ذلك عندما يكون هدف التفاوض مرحليا، و لا تعني هنا النظرة المستقبلية التي قد تنقلب فيها أوضاع وموازين القوة، والاستراتيجيات المنبثقة هي استراتيجيات تصارعية تستهدف إنهاك واستتراف الخصم وإحكام السيطرة .

- التفاوض الاستكشافي: الذي يهدف إلى استكشاف النوايا التفاوضية للأطراف المقابلة وقد يكون مباشرة أو من قبل طرف وسيط.

- التفاوض التسكيني والاسترخائي: ويهدف إلى تسكين الأوضاع أو تمييعها من اجل خفض مستوى حالة التصارع والتناحر وذلك لصالح مفاوضات مقبلة قد تكون الظروف فيها أكثر مواءمة لطرف ما أو للطرفين معا، وقد يكون المقصود بتبني هذه الإستراتيجية أن الزمن سيكون العامل الأكثر تأثيرا في سير العملية التفاوضية .

- تفاوض التأثير في طرف ثالث: ولا يحدث هذا التفاوض من منطلق التأثير في الطرف المباشر، وإنما للتأثير في طرف ثالث مهم لجذبه لوجهة نظر معينة أو لتحييد دوره بخصوص صراع مع الخصم.

- تفاوض الوسيط : يعتبر مثل هذا النوع من التفاوض من أهم نماذج دراسة التفاوض الرئيسية في العالم سواء في مجال التجارة والأعمال أو الصراع بين الدول وإدارة الأزمات وهو ما يعرف في العلوم السياسية بسياسة الطرف الثالث ويتم اللجوء إلى الوسيط في هذا النوع من التفاوض باعتباره محايدا إلا أن المحللين لتفاوض الوسيط يقولون بان هذا الوسيط يكون في أكثر الأحيان متحيزا خاصة في المجال السياسي.

ب- التصنيف الثاني للتفاوض: وهناك من يصنف التفاوض من هذا الجانب:

- التفاوض التجاري : هو احد الصور المألوفة لدينا كأفراد ومنظمات أعمال كما انه احد الأنشطة الرئيسية التي تمارسها الشركات بصفة مستمرة وذلك على اختلاف حجمها وطبيعة نشاطها وذلك للوصول إلى حل للنزاعات والخلافات بينها وبين أطراف أخرى ذات علاقة أو للوصول إلى اتفاق بشان صفقات تجارية متنوعة. ويأخذ التفاوض التجاري عدة صور منها : التفاوض مع العملاء، التفاوض مع الموردين، التفاوض مع المنظمات المنافسة، التفاوض مع المؤسسات المالية، التفاوض مع وسائل النشر، التفاوض مع الأجهزة الحكومية، التفاوض في الحقوق.

- التفاوض الإداري: يمثل التفاوض الإداري صورة أخرى من صور التفاوض الذي تمارسه المنظمات العامة والخاصة ويأخذ التفاوض الإداري شكلين هما التفاوض غير الرسمي والذي يمثل نتاجا طبيعيا للتفاعل مع المديرين كما يمثل التفاوض غير الرسمي جانبا أساسيا من جوانب العملية الإدارية كما أن هناك التفاوض الرسمي والذي يتم بين الإدارة وإدارات المنظمات الأخرى لحل خلافات أو نزاعات إدارية أو بغرض التوصل إلى عملية دمج بين شركتين. 

- التفاوض السياسي: يحدث التفاوض السياسي بين الدول أو مابين المنظمات السياسية التي تمثلها وذلك بغرض الوصول إلى اتفاقيات دولية لحل النزاعات والخلافات موضوع الاهتمام ويعتبر التفاوض السياسي من أكثر أشكال التفاوض معرفة لنا جميعا وذلك من خلال ما ينشر عنه بصفة دائمة في وسائل الإعلام المختلفة ولعل من أبرز أنواع التفاوض السياسي في العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة ما تم بين مصر وإسرائيل لتحقيق السلام وانتهاء حالة الحرب بينهما واسترجاع الأراضي المحتلة إلى أصحابها، كذلك حلقات التفاوض الصعبة والمستمرة إلى يومنا هذا بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين إسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وتحقيق السلام بين الطرفين كما أن هناك التفاوض بين جيش تحرير ايرلندا الشمالية وبين الحكومة البريطانية لحل النزاع القديم بينهما لمنح ايرلندا الشمالية الاستقلال الذاتي عن التاج البريطاني .

- التفاوض العسكري: في ظل هذا النوع تسعى الأطراف المتنازعة إلى حل الخلافات بينها من خلال الحوار والحث والإقناع بدلا من استخدام القوة العسكرية وقد يكون هذا النوع من التفاوض لاحقا لعمليات عسكرية بين طرفين متنازعين.

 

شروط التفاوض:

أ- القوة التفاوضية: و ترتبط القوة التفاوضية بحدود أو مدى السلطة و التفويض الذي تمنحه للفرد في المفاوض و إطار الحركة المسموح له بالسير فيه أو عدم الخوض فيه فيما يتعلق بالموضوع أو القضية المتفاوض بشأنها.

ب- المعلومات التفاوضية: وهي أن يملك فريق التفاوض المعلومات التي تتيح له الإجابة على الأسئلة الآتية:

١- من نحن؟

٢- من خصمنا؟

٣- ماذا نريد؟

٤- كيف نستطيع تحقيق ما نريد؟

٥- هل يمكن تحقيق ما نريد دفعة واحدة؟

٦- أم يتعين أن نحققه على دفعات وتجزئته للوصول إليه على مراحل؟

٧- وإذا كان ذلك يسير، فما هي تلك الأهداف المرحلية، وكيفية تحقيقها؟

٨- ما الذي نحتاجه من دعم و أدوات ووسائل و أفراد للوصول إلى تلك الأهداف؟

وبناء على هذه المعلومات يتم وضع برنامج التفاوض محدد المهام ومحدد الأهداف وتتاح له الإمكانيات وتوفر له الموارد.

ج- القدرة التفاوضية: بحيث يتصل هذا الشرط بأعضاء الفريق، و مدى البراعة و المهارة و الكفاءة التي يتمتع بها أو يحوزها أفراد هذا الفريق و من ثم من الضروري الإهتمام بالقدرة التفاوضية لهذا الفريق وهذا يتأتى عن طريق:

- الإختيار الجيد لأعضاء هذا الفريق من الأفراد الذين يتوفر فيهم القدرة و المهارة والرغبة والخصائص والمواصفات التي يجب أن يتحلى بها أعضاء هذا الفريق.

- تحقيق الإنسجام و التوافق و التلاؤم و التكييف المستمر بين أعضاء الفريق ليصبح وحدة متجانسة، محددة المهام، ليس بينها أي تعارض أو انقسام في الرأي أو الميول أو الرغبات.

- تدريب وتثقيف وتحفيز وإعداد فريق التفاوض إعدادا جيدا يتم خلاله تزويدهم بكافة البيانات والمعلومات التفصيلية الخاصة بالقضية التفاوضية.

- المتابعة الدقيقة والحيثية لأداء الفريق المفاوض ولأي تطورات تحدث لأعضائه.

- توفير كافة التسهيلات المادية وغير المادية التي من شأنها تسير العملية التفاوضية.

د- الرغبة المشتركة: ويتصل هذا الشرط أساسا برغبة حقيقية مشتركة لدى الأطراف المتفاوضة لحل مشاكلها أو منازعتها بالتفاوض واقتناع كل منهم بأن التفاوض الوسيلة الجيدة أو الأفضل لحل هذا النزاع أو وضع حدا له.

ه- المناخ المحيط: ويتصل المناخ التفاوضي بجانبين أساسيين هما:

- القضية التفاوضية، و في هذا الجانب يتعين أن تكون القضية التفاوضية ساخنة و بالتالي كلما كان للقضية وزن كلما أمكن أن يحظى التفاوض باهتمام و مشاركة أطراف مختلفة و بفعالية.

- أن تكون المصالح متوازنة بين أطراف التفاوض.

 

استراتيجيات وسياسات التفاوض:

١- استراتيجيات التفاوض:

إن المفاوضات الدولية ليست عملية عبثية، وإنما هي إجراء محكوم ومدروس، وعلى هذا الأساس هناك تحديد لخطة التفاوض، وهو ما يقتضي شيء من الاحترافية وعدم الوقوع ضحية أحكام السيطرة أو الابتزاز أو الغزو التدريجي والإخضاع، فيقول "جورج فولر" في هذا الصدد في كتابه "دليل المفاوض":

"إنَّ الإعداد الجيد هو نقطة البدء، أما نقطة الوصول، فهي تحقيق أهدافك من التفاوض، ولكن الأدوات اللازمة لبلوغ نقطة الوصول تتكون من الاستراتيجيات التي توظف على مائدة المُفاوضات، وبينما يمكن للإستراتيجية الخطأ أن تعيق تقدمك، يُمكن أن يزيد استخدام التكتيكات الصحيحة من سرعة الوصول إلى نتيجة ناجحة".

ومن خلال هذا سنتطرق إلى أبرز هذه الاستراتيجيات من خلال تصنيفها لحالتين متناقضتين من السلوك التفاوضي، وهما:

- استراتيجيات المصلحة المشتركة:

أ- إستراتيجية التكامل: دمج المصالح وتطوير العلاقة بين طرفي التفاوض إلى درجة أنهما يصبحان واحدا بهدف الاستفادة من الفرص المتاحة لهما.

 إستراتيجية تطوير التعاون الحالي: السعي لتحقيق مجموعة من الأهداف العليا التي تعمل على تطوير المصلحة المشتركة بين طرفي التفاوض وتوثيق وتعزيز أوجه التعاون بينهما.

ب - إستراتيجية تعميق العلاقة القائمة: تقوم على محاولة الوصول لمدى أوسع من التعاون بين طرفين أو أكثر تجمعهم مصلحة معينة.

- استراتيجيات الصراع:

أ - إستراتيجية الإنهاك أو الاستنزاف: وتقوم على استنزاف الطرف الأخر إما عبر استنزاف وقته، أو جهده وقدراته، أو أمواله.

ب - إستراتيجية التفكيك أو التشتت: تقوم على فحص وتشخيص وتحديد أهم نقاط الضعف والقوة عن طريق التفاوض، وبناءا على ذلك يتم رسم سياسة تفتيت وحدة تكامل فريق التفاوض والقضاء على تماسكه وإضعافه.

ج - إستراتيجية الإخضاع أو إحكام السيطرة: تقوم على حشد كافة الإمكانيات التي تكفل السيطرة الكاملة على جلسات التفاوض.

د - إستراتيجية الدحر أو الغزو المنظم: تقوم على إيصال الطرف الآخر لليأس والاستسلام.

ه - إستراتيجية توسيع النطاق للتعاون: تعتمد على الواقع التاريخي الممتد بين طرفي التفاوض.

٢- سياسات التفاوض:

إن السياسة التفاوضية هي المفتاح الرئيسي لمعرفة منهج الطرف الأخر الذي سوف يستخدمه في التفاوض، والهدف المرحلي الذي يسعى إلى تحقيقه، وماذا يدبر من وراء الجلوس إلى مائدة المفاوضات.

- سياسة الاختراق التفاوضية/ سياسة الجدار الحديدي التفاوضية:

أ- سياسة الاختراق التفاوضية: تستخدم في حالة الجلوس لأول مرة مع طرف آخر لم يكن هناك علاقات معه من قبل، حيث تكون المعلومات المتوفرة غير كافية.

ب- سياسة الجدار الحديدي التفاوضية: وهي السياسة التي تواجه بها محاولة الخصم استخدام سياسة الاختراق عن طريق المحافظة على التماسك.

- سياسة التعتيم: ويطلع عليها أحيانا سياسة التهميش أو التسطيح، حيث تعمل على جعل العملية التفاوضية مجرد عملية هامشية سطحية لا تتعدى النواحي الشكلية للقضية التفاوضية، تستخدم لمواجهة سياسة التعميق، حيث يكون على فريق التفاوض مواجهة محاولات الفريق الآخر للتغلغل وإبطال هذه المحاولات وإفضالها، حيث تقوم بالتشكيك في قيمة المعلومات التي حصل عليها، وفي تصديقها، وفي مدى مناسبتها.

- سياسة التعميق (التأكيد)/ سياسة التضييق والحصار التفاوضية:

أ- سياسة التعميق (التأكيد): تعمل هذه السياسة على تطوير مستوى المعلومات التي تم الحصول عليها من الطرف الآخر، سواء خلال جلسات التفاوض السابقة أو قبلها، يطلع بعض المفاوضين على هذه السياسة سياسة التأكيد التفاوضية، أي تأكيد مستوى العلاقات التفاوضية مع الطرف الآخر بالسير في نفس الاتجاه السابق ولكن بصورة أكثر تحديدا وتأكيدا.

ب- سياسة التضييق والحصار التفاوضية: السماح للطرف الآخر بالانتقال من نقطة إلى أخرى قبل أن نفرغ تماما من النقطة التي نحن بصددها، وعدم التوسع في تناول أكثر من نقطة تفاوضية خاصة إذا كان الطرف الآخر ممن يتصفون بالخبث والدهاء، ولم يتسع لنا الوقت للإلمام بكافة عناصر القضية التفاوضية.

- سياسة إحداث التوتر التفاوضي/ سياسة الاسترخاء التفاوضي:

أ- سياسة إحداث التوتر التفاوضي: إحداث نوع من عدم الاستقرار في الموقف التفاوضي، وإدخال عدة عوامل تفاوضية جملة واحدة بغرض إحداث إرباك لدى الطرف الآخر من حيث صعوبة تناوله جملة واحدة بالتفاوض، زيادة كم وحجم النواحي الفنية في القضية التفاوضية: العوامل الجغرافية، الهندسية القانونية، التعليمية، الاقتصادية وجعلها محور التفاوض مما يجبر الطرف على اللجوء للمتخصصين في هذه النواحي ويجعله دائم التغير في فريق التفاوض الخاص به.

ب- سياسة الاسترخاء التفاوضي: ويطلق عليها البعض أحيانا سياسة التجاهل، وسياسة النفس الطويل، وهي تقوم على عدم الاهتمام بكل ما يطلبه الفريق الآخر، وعدم الانسياق للضغوط التي يقوم بها.

- سياسة الهجوم التفاوضي: استخدام تكتيكات هجومية ضاغطة على الطرف الآخر بشدة لإجباره على التسليم بوجهة نظرنا ومطالبنا في العملية التفاوضية، وعدم ترك المجال مفتوحا أمامه للتراجع أو الانسحاب من عملية التفاوض وتستخدم عند حيازة كم مناسب من المزايا التي تجعلنا في موقف متميز قوى يتيح لنا إملاء شروطنا على الطرف الآخر.

- سياسة التناول المتدرج للقضية التفاوضية:

تقوم هذه السياسة على ترتيب عناصر وجزئيات القضية التفاوضية بشكل متدرج صاعد، يبدأ من القواعد الأساسية للقضية ويتدرج حتى يصل إلى قمتها أو إلى شكلها النهائي العام، أو على شكل متدرج هابط يبدأ من القمة إلى الأساس الذي ترتكز عليه القضية، أو شكل متدرج من مركز الدائرة إلى محيطها أو بالعكس، بحيث تبدأ العملية التفاوضية من الجزء إلى الكل، أو من الكل إلى الجزء، أو من الجزء إلى بقية الأجزاء والعناصر في إطار الدائرة التفاوضية.

- سياسة المواجهة المباشرة والصريحة/ سياسة المراوغة والالتفاف:

أ- سياسة المواجهة المباشرة والصريحة: تقوم على المكاشفة الصريحة والتعامل مع عناصر القضية التفاوضية بشكل مباشر وصريح، خاصة إذا كانت المصلحة المشتركة القائمة بين طرفي التفاوض تتطلب الإحاطة بظروف وإمكانيات الطرف الآخر، وأي خداع بين الطرفين سوف ينعكس سلبا على تنفيذ ما التزم به كل منهما تجاه الآخر.

ب- سياسة المراوغة والالتفاف: إن الصرع أو النزاع يعبر عن طبيعة القضية المتفاوض عليها، ومن هنا يكون علينا الاعتماد على سياسة المراوغة والالتفاف غير المباشر حول عناصر وأجزاء القضية التفاوضية وعدم إظهار حقيقة أهدافنا، بل الاعتماد على الخداع والمراوغة والالتفاف حول القضايا وعناصرها بشكل لا يثير الشكوك والريبة، بل تصل قمة النجاح فيه إلى الخديعة الكاملة للطرف الآخر وانسياقه إلى توقيع اتفاق يرى أنه حقق نصرا فيه، في حين تكون الحقيقة هي الهزيمة الكاملة.

- سياسة التطوير التفاوضية/ سياسة التجميد التفاوضية:

أ- سياسة التطوير التفاوضية: تقوم هذه السياسة على أن أي قضية تفاوضية هي أساسا قضية متغيرة طالما ارتبطت بعوامل الحركة والزمن، ومن ثم فإنها تخضع لتأثير هذه العوامل بصورة أو بأخرى، ويستلزم لتحقيق واستمرار المصلحة المشتركة التي تربط بين أطراف التفاوض، تطوير وإنماء وتحسين هذه المصلحة عن طريق تقوية العلاقات والروابط بين أطرافها والوصول بها إلى درجة أرقى وأعمق وأوسع واشمل من درجات التعاون.

ب- سياسة التجميد التفاوضية: تقوم هذه السياسة على الإبقاء على الوضع الحالي على ما هو عليه، والاحتفاظ بالموقف التفاوضي القائم دون أي تغيير أو تعديل سواء سلبا أو إيجابا، وتجميده إلى درجة الموت نظرا لعدم جدوى تحريكه أو التعامل معه من جديد بمعطيات جديدة.

المصادر والمراجع:

أحلام سليماني، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماستر بعنوان: إستراتيجية الابتزاز التهديدي في المفاوضات الدولية: الملف النووي الإيراني نموذجا، كلية العلوم السياسية، جامعة 08 ماي 1945م- قالمة، 2018- 2019م

عناصر التفاوض الرئيسية : الموقف التفاوضي، 17/05/2017

محمد ثابت حسنين، المفاوضات الدولية: رؤية علمية واقعية، المركز الديمقراطي العربي، 28 أكتوبر 2018

محمود شرقي، الدبلوماسية والتفاوض، محاضرات مقدمة للسنة الثالثة ليسانس علوم سياسية، تخصص دبلوماسية وتعاون دولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة البليدة 2، 2012- 2013.

محمود شرقي، دبلوماسية الدول الكبرى، محاضرات مقدمة للسنة أولى ماستر علوم سياسية، تخصص علاقات دولية وقانون دولي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2018- 2019.

مريم قرواني، تقنيات التفاوض الدولي، محاضرات مقدمة للسنة الثالثة ليسانس علوم تجارية، تخصص تجارة الدولية، كلية العلوم الاقتصادية و العلوم التجارية و علوم التسيير، جامعة فرحات عباس سطيف -1-، 2019- 2020م.

مهارات التفاوض (الفصل الثالث: سياسات التفاوض).

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia